ثقافة فيلم «نساء صحافيات» لكمال بن وناس: إضاءات حول بدايات الصحافة النسائية التونسية
«كنا بمثابة الغول، وكان نصف المجتمع راقدا»، هكذا تحدثت الصحفية راضية الكناني في الفيلم الوثائقي «نساء صحافيات» لكمال بن وناس واصفة الخطوات الأولى للمرأة التونسية في عالم الصحافة بالخطوات المثيرة والمخيفة.
حول هذا الموضوع الدقيق الذي يرمز لنضال المرأة التونسية وانخراطها في مشروع بناء دولة الاستقلال، قدّم الإعلامي كمال بن وناس بمعيّة الإعلامية فائزة اللعلاعي شريطا تسجيليا سلّط فيه الضوء على بدايات الصحافة النسائية في تونس من خلال 5 وجوه نسائية هنّ على التوالي: راضية الكناني ودرة بوزيد وجليلة حفصيّة وسيدة المحرزي ومليكة بن خامسة ومن خلال التعرض لتجربة مجلتي «ليلى» (1936ـ1941) و«فائزة» (1957ـ1966).
واعتبر كمال بن وناس أنّ شريطه يُؤكد أنّ المرأة التونسية كانت «مُحركة» لتحررها (La femme est l'attisante de son émancipation) وأنّ قراءة ما جاء في مجلتي «ليلى» و«فائزة» هام جدّا لأنّه يرسم لوحة عمّا شهده المجتمع التونسي من تغييرات.. وأمّا فائزة اللعلاعي فقالت إنّ الشريط يكرم الرائدات في مجال الإعلام وينفض الغبار عن جزء من الذاكرة النسائية التونسية.
ورفع الفيلم النقاب عن مسارات الإعلاميات المذكورات ومنها شهادة للإعلامية بالإذاعة الوطنية مليكة بن خامسة التي قالت إنّ الهدف كان يتمثل ـ في نهاية الخمسينات ـ في تبليغ صوت المرأة التونسية، وكذلك شهادة جليلة حفصية التي تحدثت عن تجربتها في صحيفة لاباراس والريبورتاجات التي كانت تنجزها حول فئات مختلفة من النساء التونسيات.
أمّا درة بوزيد وهي ابنة النقابية شريفة المسعدي التي ارتبطت إثر وفاة زوجها الأوّل بالأديب محمود المسعدي، فذكرت كيف كانت تدرس الصيدلة وتنشط باتحاد طلبة تونس بباريس قبل أن تلتحق بمجلة «فائزة» ثم بصحيفة (L'action) لصحابها بشير بن يحمد وقتئذ.
ومن الشهادات التي استوقفتها تلك التي أدلت بها الصحافية سيدة المحرزي والتي يمكن اعتبارها أول صحافية حربية حيث تنقلت مع مجموعة من الصحافيين لتغطية معركة الجلاء ببنزرت. وكشفت سيدة المحرزي كيف كانت شاهدة عيان على جثامين الضحايا التونسيين وقد قصفتهم الطائرات الفرنسية بقنابل النابالم.
ومن جهتها تحدثت راضية الكناني عن تجربتها في جريدة «العمل» وعن الدور الذي لعبه كاتب الدولة للإعلام آنذاك بشير بن يحمد حيث فتح المجال لتكوين الصحافيين ومنهم النساء بصفة خاصة. وممّا ذكره الفيلم كذلك أنّ محمود زروق كان يقف وراء مجلة «ليلى» التي نشرت منذ الثلاثينات مقالات تنادي بضرورة وجود المرأة في الحياة السياسية.
كما تضمن الشريط شهادة المؤرخة نادية مملوك التي بيّنت كيف غابت مجلة «فائزة» عن الظهور سنة 1967 مع مرض بورقيبة وبروز الاشتراكية مما أثر سلبا على تمويلات المجلة التي اضطرت للإحتجاب.
ويمكن القول إنّ فيلم «صحافيات تونسيات» يُصالحنا مع ذاكرتنا المفقودة ويعيد ربط جسور التواصل مع حقبة تاريخية هامة كانت فيها النساء في الصفوف الأولى للنضال من أجل إعلاء صوت المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع.
شيراز بن مراد